خطبة بعنوان: صفات الأسرة المسلمة وأثرها في صلاح واستقرار المجتمع، للدكتور خالد بدير، 23جمادى الآخرة 1437هـ – ا / 4 / 2016م
خطبة بعنوان: صفات الأسرة المسلمة وأثرها في صلاح واستقرار المجتمع، للدكتور خالد بدير، 23جمادى الآخرة 1437هـ – ا / 4 / 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
العنصر الثاني: صفات الأسرة المسلمة المستقرة
العنصر الثالث: أثر صلاح الأسرة في استقرار المجتمع
العنصر الرابع: فضل كفالة الأسر اليتامى
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
لقد جاء الإسلامُ والعلاقاتُ الأسريَّة في فوضى وانحلال فأراد إنقاذَ البشرية من هذا السوء؛ لذا جعل الإسلام الأسرةَ هي وحدةَ بناء المجتمع، وأحاطها بسياجٍ كبير من التشريعات التي تضمن لها الجديةَ والنجاح – بإذن الله.
وقد وصلتْ عنايةُ الإسلام بهذا المكون الرئيس للمجتمع (الأسرة) إلى درجة كبيرة، حتى إن هذه العناية امتدتْ إلى ما قبل تأسيسها في مُحَاوَلة إلى انتقاء عناصر بنائها بما يحقِّق التلاؤُم، والانسجام، ويُقَلِّل من دوافع الفشل لبنيانها، بل إنَّ الإسلامَ حَثَّ أتباعه على المساهَمة في تكوين هذه الأسرة عبر وسيلته المشروعة وهي الزواج، الذي اعتبره الإسلامُ إحدى سُنَن الله في الخلق لما يحققه من مقاصد في الحياة الإنسانية؛ إذ يقول الله – تبارك وتعالى -: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49]، ويقول: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } [يس: 36]، فالزواج إذًا سُنَّة كونيَّة، ولا ينبغي للإنسانِ أن يشذَّ عنها؛ إذ أنَّ اللهَ – ومنذ أن خَلَقَ الإنسانَ الأولَ آدم، وأسْكَنَه الجنة – لم يَدَعْه وحده في الجنة، فالإنسانُ لا يستطيع أن يحيا وحده بلا أنيس ولا جليس؛ لذلك خَلَقَ اللهُ لآدم من نفس جنسه زوجًا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء: 1]، “
لذلك جعل الإسلام الزواجَ السبيلَ الوحيد لتكوين الأسرة، بالشكل الذي يحفظ الحُرُماتِ والأنسابَ، ويُلبِّي الغرائزَ الطبيعية في إطار من العفَّة والخصوصية، ويحقق لطرفي الزواج ما يبحثان عنه من السكن والاستقرار، وامتنَّ عليهما بإسباغ المودة والرحمة على تلك العلاقةِ الشريفة، وقد نبَّه القرآن على ذلك في قوله – تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. قال الإمام الطبري – رحمه الله – في تفسير الآية:”جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودةً تتوادُّون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمةً رحمكم بها؛ فعطف بعضكم بذلك على بعض” أ.ه
لذلك حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة لأنها أساس بناء الأسرة كما أنها مضنة الولد الصالح لتكون أمّاً مربية تقية طاهرة عفيفة، تعين أبناءها على التربية الصالحة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها………… أعددت شعباً طيب الأعراق
بل إن الرسول دَفَعَ الشبابَ دفعًا إلى تحقيق هذه السنة، موضِّحًا فوائد ذلك ومنافعه فقال:” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ” (متفق عليه)، وقد كان كل ذلك وغيره من النصوص دافعًا قويًّا إلى إجلال الزواج، واعتباره إحدى المسائل المهمة التي يجب على المسلم أن يَتَفَكَّرَ فيهَا، ويَتَدَبَّرَ أمرها، ويسعى إلى تحقيقها.
ولقد فطن الغرب إلى أهمية الأسرة في بناء المجتمع والأمم والحضارات، واعتبروا هدم الأسرة هدما للحضارة كلها.
يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
1- اهدم الأسرة……………. 2- اهدم التعليم…………………… 3- أسقط القدوات.
* لكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها بـ”ربة بيت”
* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء والآباء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا اختفت (الأم الواعية)، واختفى (المعلم والأب المخلص)، وسقطت (القدوة)؛ فمن يربي النشء على القيم؟!
العنصر الثاني: صفات الأسرة المسلمة المستقرة
أحبتي في الله: هناك كثير من الأسر – في وقعنا المعاصر – تشكو من القلق والضنك والتوتر وعدم الاستقرار ؛ لذلك أقف مع حضراتكم في هذا العنصر لنعرف صفات الأسرة المسلمة الآمنة السعيدة المستقرة؛ على أن هذه الصفات لا تُذكر من باب التعداد فقط وإنما من أجل التطبيق العملي على أسرنا ومجتمعنا ؛ وهذه الصفات تتمثل فيما يلي:-
أولاً: أن تكون العلاقات بين أفراد الأسرة قائمة على الحب:
لأن صفات الحب والحنان والعطف والمودة والرحمة هي أساس وقوام الحياة الزوجية والهدف الأساس منها. قال تعالى:{ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)
وكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تبادل الحب بينه وبين أزواجه؛ وعلى رأس القائمة أمنا خديجة التي ظل حبها في قلبه طوال حياته؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:” مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ. قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا!” ( مسلم ). قال النووي في شرح مسلم:” فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت .”؛ أما من الأحياء فكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة كثيرا؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ:” يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا.” ( الترمذي وصححه الألباني)
لقد كان الحب في قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – لزوجه الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شمساً ترسل أشعتها في حياة كل الأزواج، كي يستضيئوا بضيائها، ولنا في البيت النبوي الأسوة والقدوة، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
فحينما تقوم الأسرة على الحب والعطف والحنان والدفء ؛ فإن السعادة والفرحة تسيطر على جميع أفراد الأسرة رجالا ونساءً وأولادا .
ثانيا: التعاون بين أفراد الأسرة:
فيكون جميع أفراد الأسرة متعاونين متكاتفين متكافلين؛ كلٌ يعمل قدر استطاعته؛ ولا سيما إذا كان الزوجان يعملان في وظيفة أو مهنة؛ لأن الحياة تشارك وتعاون وتعاضد ؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم خير مثال؛ فقد ضرب لنا أروع الأمثلة في العمل والبناء والتعمير ؛ فكان يقوم بمهنة أهله، يغسل ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع الثوب، ويخصف النعل؛ ويعلف بعيره، ويأكل مع الخادم، ويطحن مع زوجته إذا عييت ويعجن معها، وكان يقطع اللحم مع أزواجه، ويحمل بضاعته من السوق، وشواهد ذلك في السنة والسيرة كثيرة!!
ثالثا: رعاية الحقوق والواجبات بين أفراد الأسرة:
فهناك حقوق متبادلة بين الزوجين؛ فكما أن للزوج حقوقا؛ فكذلك للزوجة حقوق؛ قال: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قال ابن كثير:” أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف”؛ وقد بين صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق في خطبته الجامعة في حجة الوداع حيث قال:” اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.” ( مسلم )
وكذلك الحقوق المتبادلة بين الآباء والأبناء؛ وقد جمعها ولخصها سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد ( جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟! ) ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان)
فلو أن كل فرد من أفراد الأسرة أدى ما عليه من حقوق وواجبات دون تقصير ؛ لصلح حال الأسرة والبلاد والعباد .
رابعا: تنشئة الأسرة على القيم والأخلاق والآداب:
وهذه الصفة من أهم صفات الأسرة المسلمة؛ فصلاح أولادنا أن نغرس فيهم منهج نبينا في جميع شئون الحياة، وذلك بتعليمهم آداب الصلاة والصوم والاستئذان ودخول البت وخروجه، وآداب الطعام والشراب، واحترام الكبير وتوقيره وغير ذلك من الآداب التي حثتا عليها الشارع الحكيم.
وقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( السلسلة الصحيحة: الألباني)
وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. ( البخاري )
أيها المسلمون: إننا إذا بنينا الأسرة على هذا الأساس السليم القويم؛ وهذه الصفات النبيلة؛ شمخ البنيان، ونجحنا في تقويم الأولاد، فنحن نكون قد حصلنا على أسرة صالحة، ومن مجموع الأسر نحصل على مجتمع فاضل تسوده المحبة، ويسري فيه الصلاح، ويكثر بينهم التعاون والتناصح والتآلف والتكاتف.
أحبتي في الله: هذه مجموعة من الصفات الواجب توافرها في الأسرة المسلمة الصالحة، التي لو تحققت فيها لعم الاستقرار والسعادة والأمن والأمان والسلامة والاطمئنان .
العنصر الثالث: أثر صلاح الأسرة في استقرار المجتمع
أحبتي في الله: عرفنا في عنصرنا السابق صفات الأسرة المسلمة الصالحة؛ وهذه الصفات إذا توافرت في الأسرة المسلمة كانت صالحة ؛ لأن الأسرة لبنة من لبنات المجتمع؛ فهي كالقلب إذا صلحت صلح المجتمع كله؛ وإذا فسدت فسد المجتمع كله!!
إذن تبدأ المسؤولية والأهمية من الأسرة، فالأسرة التي تربي أبناءها وتنمي قدراتهم وتغرس في نفوسهم حب الخير وحب الناس وحب العمل وحب الوطن والتمسك بالأخلاق والشمائل الإسلامية، والدفاع عن الوطن من الأعداء والحاسدين، إنما هي تقوم ببناء المجتمع.. أما تلك الأسرة التي لا تهتم بأبنائها وتترك لهم الحبل على الغارب ولا تنشئهم تنشئة اجتماعية سليمة، إنما هي تهدم المجتمع.
إن الاهتمام ببناء الأسر وبناء المجتمع يبدأ من الاهتمام بالأطفال وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، فمهام ووظائف وأدوار الأسر تبدأ مبكرا منذ نشأتها الأولى ومنذ إنجابها لأول طفل، والطفل يحتاج إلى رعاية والديه والأسرة؛ وهو يكتسب منهم وممن يحيطون به الخبرات والمهارات والعادات وقواعد السلوك، التي تجعله يتلاءم مع مجتمعه، والأسرة التي لا تهتم بأطفالها فهي لا تقدم للمجتمع إلا الشر والضرر، فمعظم المخربين والجانحين والمجرمين هم من الذين لم تهتم بهم أسرهم وأنشأتهم تنشئة غير سليمة وربتهم تربية طالحة سيئة، وهي تلك الأسر التي جرت خلف المادة وخلف المشاكل والخلافات، فلم تهتم بأبنائها، وبالتالي أفرزت وأخرجت إلى المجتمع رجالا مخربين وجانحين ومنحرفين.
فإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغاله مع معارفها وصديقتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها، وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ إلى اللهو مع الأصحاب والخلان، فلاشك أن الأبناء سينشئون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين، وصدق القائل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من …… هـــم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن الـيـتيم الـــــــــــذي تـلقــــــى لـــه………أمّاً تخلت أو أباً مشغولاً
عباد الله: عليكم إصلاح أولادكم؛ والقيام عليهم؛ والصبر والتصبر في تعليمهم وتعويدهم على الطاعة؛ واحفظوهم من الضياع مع الشباب الفاسد الطائش واعلموا أنكم مسئولون عن أسركم وأولادكم يوم القيامة؛ وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) وقال أيضاً : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( السلسلة الصحيحة: الألباني)؛ يقول الإمام الغزالي رحمه الله في رسالته أنجع الرسائل: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه؛ نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له».
فأولادكم أمانة في أيديكم وستسألون عنهم فماذا أنتم قائلون؟!!!
أيها المسلمون: إن ما ألم بالأسرة من ضنك وغم وفساد وعدم استقرار سببه الإعراض عن شرع الله؛ قال تعالى { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 124-126] .
العنصر الرابع: فضل كفالة الأسر اليتامى
أيها المسلمون: إذا كنا نتحدث عن الأسرة وصفاتها وأثرها في الاستقرار، وإذا كان المجتمع يحتفل اليوم وفي الجمعة الأولى من هذا الشهر بيوم اليتيم؛ فلا يفوتنا أن نقف وقفة تكريم وتشريف لكل أسرة فيها يتيم؛ هذا اليتيم الذي مات أبوه وهو صغير إذا لم يجد اليد الحانية التي تحنو إليه، والقلب الرحيم الذي يعطف عليه، فلاشك أن هذا اليتيم سيدرج نحو الانحراف ويخطو شيئاً فشيئاً نحو الإجرام، لذلك حثنا صلى الله عليه وسلم على رعايته وكفالته فقال:” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى”(البخاري)؛ وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح رأس اليتيم ثلاثاً ويدعو له بالخير والبر. وأخرج ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم باستشهاد جعفر بن أبي طالب طلب أن يؤتى بأبنائه إليه، فأتي بهم كأنهم أفراخ، فاحتضنهم وشمهم وذرفت عيناه عليهم ثم أمر بالحلاق فجئ به فحلق لهم رؤوسهم.
إن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحي الغذائية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، ومعاملته بصدق وإخلاص، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم.
فوائد كفالة اليتيم وأثرها على الفرد والمجتمع
لكفالة اليتيم ثمرات وفوائد تعود عليه وعلى مجتمعه في الدنيا والآخرة تتمثل فيما يلي:-
** كفالة اليتيم من قبل المسلم تؤدي إلى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة وكفى بذلك شرفاً وفخراً.
** كفالة اليتيم والإنفاق عليه وتربيته والعناية به تدل على طبع سليم وفطرة نقية وقلب رحوم0
** المسح على رأس اليتيم وتطييب خاطره يؤدي إلى ترقيق القلوب ويزيل القسوة عنه0 فعَن أبي هُرَيْرَة : أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ: «امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم وَأطْعم الْمِسْكِين» . ( أحمد وحسنه الألباني)
**تعود على صاحبها بالخير الجزيل والفضل العظيم في الحياة الدنيا فضلاً عن الآخرة، فيكون ذلك ذخراً لك عند الله ، فعن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: يا داود لو طبخت لك دسماً. قال: فافعلي. فطبخت له شحماً ثم جاءته به. فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم. قال: اذهبي به إليهم فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء؟ قال: إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً. ( صفة الصفوة لابن الجوزي)
** تساهم في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة 0 قال صلى الله عليه وسلم: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”( البخاري ومسلم )
** إكرام اليتيم ورعايته والعناية به وكفالته إكرام لمن شارك الرسول في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم.
** كفالة اليتيم تزكي مال المسلم وتطهره وتجعل هذا المال نعم المال الصاحب للمسلم.
** في كفالة اليتيم بركة عظيمة تحل على الكافل وتزيد في رزقه.
**في كفالة اليتيم حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى أيتامك. قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } (النساء: 9)
الله أسأل أن يحفظ أولادنا وبناتنا وأهلنا وأسرنا وأيتامنا ومجتمعنا من كل مكروه وسوء!!
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي